عباس
الجمعة / لم نتفاجأ بالكثير من القضايا وخاصة ان المصالحة التي تعاني من ازمة ثقة اصبحت
متنقلة بين العواصم العربية ، هل فعلا هناك مصالحة فلسطينية حقيقية ، ام هناك قضايا
لارضاء هذا الشريك الاقليمي او ذاك ، فمصر لعبت دورا هاما في اتفاقات المصالحة ولانها
اصبحت عدة اتفاقات ، يجب ان نبقي نقطة الامل موجودة وذلك من اجل تغليب الخلافات الداخلية،
واحتلالها مكاناً أكبر في العمل الفلسطيني وتكريس الجهد البناء في مواجهة الاحتلال
ومخططاته وممارساته الإجرامية على الأرض الفلسطينية، وخاصة ان هذا الخلاف شكل على مدار
سنوات الجزء الأكبر على المستوى السياسي والإعلامي والميداني ، مما شكل خللاً كبيراً
في التوجهات الوطنية واستهدافاتها لمواجهة الاحتلال ومخططاته التدميرية والإقصائية
للهدف الفلسطيني المرتجى من إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على الأراضي
الفلسطينية التي احتلت عام 67.
لقد
شكل الانقسام وتداعياته على الأرض مصدر قلق وإضعاف حقيقي للجهود الوطنية على المستويين
الشعبي والوطني نضالياً، وسياسياً، وجماهيرياً، ودبلوماسياً، وكفاحياً، وأعطى للأسف
، الاحتلال فرصة أكبر للاستفراد بالشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، ومناطق 48، حيث
ازدادت وتيرة الاعتداءات الصهيونية على المواطنين بأشكال وصور مختلفة ومتنوعة، وجرى
تهويد مزيد من الأراضي، مع توغل حقيقي للإجراءات الصهيونية ضد الحجر والشجر والإنسان
الفلسطيني.
ان
القوى المعادية استغلت محاولة التأثير على حجم ومستوى التأييد والمساندة الدولية لنضالنا
وكفاحنا المشروع، وقد تأثر مستوى الدعم واستغلت الأمر بعض الأطراف العربية للتنصل من
مسؤولياتها الأخوية والأخلاقية في دعم ومساندة النضال الوطني، وساهمت أحياناً في مشاركة
المجتمع الدولي من خلال محاولة الضغط على القيادة الفلسطينية للعودة الى مفاوضات اقل
ما يقال فيها ان الهدف من استمرارها تصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، واعطاء
حكومة الاحتلال فرصة ذهبية لاستمرار استيطانها والعقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني،
و(مواصلة بناء جدار الفصل العنصري، وتهويد القدس، وسرقة المياه والحصار الاقتصادي والاجتماعي
، هذه الممارسات كانت وما تزال تستهدف جعل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة
السيادة هدفاً غير ممكناً بفعل الانتهاكات والواقع المعاش على الأرض.
ما
جرى في الدوحة يكشف حقيقة وطبيعة التفاهمات الفلسطينية ومآلاتها النهائية في ظل عدم
تعافي الحالة الوطنية واستمرار أزمة الثقة بين الفرقاء الرئيسيين، حيث ما زلنا نلمس
،وبكل أسف استمرار، الاعتماد على صياغات تحتمل التأويل الملتبس، بما يسمح للفرقاء التنصل
من الالتزامات التي قطعوها على أنفسهم لتنفيذ تلك التفاهمات، ولا بد من استثمارها لمصلحة
مواصلة الضغط الشعبي والفصائلي لتنفيذ وتطوير ما تم التوصل إليه في محادثات القاهرة
بين 20-23 كانون أول من 2011.
ان
تشكيل الحكومة برئاسة الرئيس محمود عباس من كفاءات وطنية (تكنوقراطية) باعتبارها حكومة
مؤقتة معنية بتهيئة الأجواء والمناخات الإيجابية لإجراء انتخابات شفافة وديمقراطية
نزيهة وتحديد الآليات وموعد تشكيلها ودورها ،والتقدم في هذا الملف مرهون بما ستسفر
عنه محاولات التفاهم بين فتح وحماس.
وامام
كل ذلك نرى ان المطلوب اليوم بعد تفاهم الدوحة العمل وبشكل سريع الى عقد اجتماع الإطار
القيادي في م.ت.ف وخاصة ان اتفاق المصالحة بحاجة الى مزيدا من الجهد والمتابعة والنقاش
والحوار الوطني البناء لضخ دماء جديدة في عروق مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها
ممثلة حقيقية لطموحاتهم وحقوقهم وأهدافهم الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف.
ان
اتفاق الدوحة يشكل خطوة مهمة على طريق تنفيذ التفاهمات الوطنية للتقدم بخطوات للأمام
نحو تفعيل المشاركة الوطنية والشعبية في التصدي لمحاولات الكيان الصهيوني والإدارة
الأمريكية لاستنزاف شعبنا وثورتنا وسرقة أرضنا ومقدساتنا.
فالفرصة
سانحة في ظل تلك الأجواء للكل الوطني (فصائل، وشخصيات، وأعضاء قوى، وأحزاب، ومؤسسات)
لالتقاط الفرصة التاريخية لمصلحة تعزيز الوحدة وإنجاز تفاهمات وطنية للأشكال النضالية
المناسبة الملائمة، لمواصلة مشوار الكفاح الوطني الفلسطيني المؤهل لمزيد من الانتصارات
السياسية والدبلوماسية والأخلاقية على عدو عنصري فاشي إرهابي يمارس كل صنوف البربرية
والعدوان على الشعب الفلسطيني في ظل غياب رادع حقيقي وقوى، دولي، وإنساني لوضع حد لهذه
العجرفة والغطرسة الصهيونية، ويعطي القضية مزيداً من الأبعاد والقدرات في كافة المنتديات
والمؤسسات والمنظمات والتجمعات الدولية.
إننا
بحاجة إلى بلورة إستراتيجية فلسطينية موحدة، فنحن ندرك أننا أمام عدو من طراز خاص،
يتمتع بكل عناصر القوة، ليس بفعل قواه الذاتية فحسب، بل بسبب الدعم غير المحدود من
حليفه الاستراتيجي الولايات المتحدة ، والدور المناط بإسرائيل في الصراع العربي - الإسرائيلي،
وفي صراعها الوجودي الاستيطاني الإحتلالي مع الفلسطينيين ما زال على حاله، بل بات اليوم
أكثر تعقيداً مع حلول الربيع العربي، وتوق الشعوب العربية إلى الحرية والكرامة والاستقلال،
والتخلّص من الأنظمة الاستبدادية التي تشاركت مع الغرب الاستعماري في نهب وإذلال لشعوبها.
إن
تبنى استراتيجية وطنية وخلق إجماع وطني فلسطيني حولها هو الوسيلة الأمثل للانطلاق نحو
المستقبل، المطلوب الآن فكر فلسطيني جديد ومفهوم فلسطيني جديد لكيفية إدارة الصراع
تستند إلى الثوابت الوطنية وتوفر صمام أمان لها .
وغني
عن القول نؤكد ان اعادة بناء رؤيتنا ودورنا المستقبلي، انطلاقاً من قناعاتنا ان في
تثبيت وجود الشعب الفلسطيني على مسرح التاريخ كشعب حي وفاعل يمتلك هوية وطنية وقادر
على البقاء والاستمرار كبقية شعوب الأرض ، لا بد أن ينتزع استقلاله ويقيم دولته المستقلة
لكي تمثله وتمثل هويته وحيويته وكينونته في مختلف بقاع الأرض، وهو يتطلع اليوم الى
الإقرار بقبول فلسطين كدولة عاملة كاملة العضوية في الأمم المتحدة لان بذلك يكرس نقلة
في غاية الأهمية لمنظمة التحرير الفلسطينية كوعاء يجسد مشروعية الشعب الفلسطيني ولا
يلغي الحقوق الأخرى وخاصة حق العودة.
رئيس
تحرير صحيفة الوفاء الفلسطينية