الأرض هي الوطن والكيان والوجود، فلا وجود لأي شعب كان، بدون أرض يعيش عليها.
كان هذا دائماً مفهوم الأرض بالنسبة للشعب الفلسطيني. ولذا دافع عنها وناضل من أجل
المحافظة عليها من بداية القرن، وما زال حتى يومنا هذا.
لذلك يشكل يوم الأرض معلماً بارزاً في التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني، باعتباره
اليوم الذي أعلن فيه الفلسطينيون تمسكهم بأرض آبائهم وأجدادهم، وتشبثهم بهويتهم الوطنية
والقومية وحقهم في الدفاع عن وجودهم رغم عمليات القتل والإرهاب والتنكيل التي كانت
وما زالت تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، بهدف إبعاده عن أرضه
ووطنه.
هذه الذكرى التي يعيد فيها المواطن الفلسطيني التأكيد على طبيعة علاقته المتميزة
مع أرضه.. ذكرى تلك الملحمة البطولية التي تجسد عمق ارتباط الفلسطيني بالأرض.. تلك
العلاقة التي تعمدت بالدم الزكي القاني الذي تخضبت به الأرض الفلسطينية العطشى لدماء
أبنائها الأبرار.
فهبة يوم الأرض لم تكن وليدة صدفة بل كانت وليدة مجمل الوضع الذي يعانيه الشعب
الفلسطيني في فلسطين المحتلة منذ قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، وقد شارك الشعب الفلسطيني
في الأراضي المحتلة عام 67، ولقد أجمعت جميع شرائح الشعب الفلسطيني، على أن يوم الأرض
أصبح يمثل مناسبة وطنية فلسطينية وعربية ورمزاً لوحدة الشعب الفلسطيني التي لم تنل
منها كل عوامل القهر والتمزق، وذكرى للتلاحم البطولي للشعب الفلسطيني في جميع أماكن
تواجده.
ومنذ نشوء دولة الاحتلال الإسرائيلي، اعتمدت على ممارسة سياسة تهويد الأرض العربية
واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم التي انغرسوا فيها منذ أن وجدت الأرض العربية، وذلك عبر
ارتكاب المجازر المروعة بحق الفلسطينيين، ولم تكتف سلطات الاحتلال الإسرائيلي بمصادرة
أراضي الفلسطينيين الذين أُبعدوا عن أرضهم، بل عملت تباعاً على مصادرة ما تبقى من الأرض
التي بقيت بحوزة من ظلوا في أرضهم.
قد صادرت السلطات الإسرائيلية خلال الأعوام ما بين عام 1948 إلى عام 1972 أكثر
من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات
الأخرى من الأراضي التي استولت عليها السلطات الإسرائيلية بعد سلسلة المجازر المروعة
التي ارتكبها جيش الاحتلال وعمليات الإبعاد القسري التي مارسها بحق الفلسطينيين عام
1948.
ومع فرض الانتداب البريطاني على فلسطيني، استفلحت هجمة الاستيطان الصهيوني للاستيلاء
على الأرض في فلسطين، معتمدة على مساعدة الانتداب البريطاني، وقوانين الأرض العثماني
التي بقيت سارية المفعول، والتي اعتبرت مالك الأرض، ليس من يفلحها أباً عن جد ويعيش
عليها، بل من سجلت على اسمه في سجلات الطابو
وكانت المؤسسات الصهيونية تطرد، بمساعدة قوات
بريطانية، الفلاحين الذين كانوا يفلحون هذه الأراضي ويعيشون عليها، كانت تطردهم من
أراضيهم. وكان يؤدي ذلك إلى صطدامات دموية بين الفلاحين الذين دافعوا عن أراضيهم ومساكنهم،
وبين قوات الشرطة البريطانية والى سقوط قتلى وجرحى.
أن الفلاحين العرب تمسكوا بأراضيهم ورفضوا بيعها لمؤسسات الصهيونية، بل دافعوا
عنها وعن حقوقهم في الاستمرار في فلاحتها والعيش عليها.
أن هدم القرى العربية وتشريد سكانها، انتشر مع بداية الانتداب البريطاني على
الرغم من أن وعد بلفور وعد بأنه "لن يعمل شيئاً من شأنه أن يلحق الضرر بالحقوق
المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية في فلسطين". وأظهرت الأحداث
والتطورات على مدى عشرات السنين بُعْد هذا الكلام عن الواقع والحقيقة.
فرغم كل محاولات التهويد التي دأبت دولة الاحتلال على انتهاجها منذ قيامها عام
1948 ولغاية الآن، إلا أن الشعب الفلسطيني يجدد كل عام في هذه المناسبة تمسكه وتشبثه
بأرضه.. وتهل المناسبة وسياسات النهب والاستيلاء الإسرائيلي الإحتلالي لا تتوقف بل
تتواصل وبشراسة ووصلت إلى الحد الذي بات يهدد حل الدولتين الذي يحظي بالدعم والإسناد
الدوليين على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 بعاصمتها القدس الشريف.
وعلى الرغم من جهود المؤسسات الصهيونية والأموال الطائلة التي صرفتها، فان ما
استولت عليه حتى بداية سنوات الثلاثين لم يتجاوز أل 90 ألف دونم. ومع ذلك فان استيلاء
المؤسسات الصهيونية على هذه المساحة من الأراضي، قد زاد عدد الفلاحين الفقراء الذين
لا أرض لهم وقلص في المعدل مساحة الأراضي الزراعية التي تحت تصرف كل عائلة فلاحية عربية.
ما أن قامت دولة إسرائيل حتى أخذت الحكومة الإسرائيلية في تنفيذ مخطط عنصري
واسع لمصادرة أراضي العرب الفلسطينيين في إسرائيل.
وكان الحاكم العسكري قد أبلغ في كانون أول 1955، جميع مخاتير سخنين وعرابه ودير
حنا وعرب السواعد وقرى الشاغور - مجد الكروم ودير الأسد والبعنه ونحف والرامة وكذلك
مخاتير قرى منطقة شفا عمرو، بحضور مدير بوليس عكا، انه يعلن جميع الأراضي الواقعة على
بعد كيلومتر شمال الطريق العام الممتد من ميعار إلى سخنين وعرابه ودير حنا وجنوب الطريق
العام الممتد من مجد الكروم إلى الرامه منطقة مغلقة يمنع الدخول إليها. وكل من يخالف
هذا الأمر يعرض نفسه للسجن 5 سنوات، أو غرامة قدرها 5 آلاف ليره أو كلتا العقوبتين
معاً. وعلم أن عدداً من المخاتير رفض التوقيع على التبليغ المذكور وهذه هي المنطقة
رقم 9.
وجاءت هجمة جديدة من قبل السلطات لمصادرة مساحات واسعة من أراضي الجليل، لتنفيذ
مشروع تهويد الجليل، ولاحقاً في النقب في مطلع 1975. وأثارت هذه المصادرات نقمة واسعة
بين الجماهير العربية. وكانت هذه المصادرات الدافع المباشر إلى إقامة لجنة الدفاع عن
الأراضي العربية في آب 1975.
ففي يوم السبت الثلاثين من شهر آذار من العام 1976، وبعد ثمانية وعشرين عاماً
في ظل أحكام حظر التجول والتنقل، وإجراءات القمع والإرهاب والتمييز العنصري والإفقار
وعمليات اغتصاب الأراضي وهدم القرى والحرمان من أي فرصة للتعبير أو التنظيم،قامت السلطات
الإسرائيلية بمصادرة ما يقارب من 21 ألف دونم من قرى الأراضي العربية في عرابة وسخنين
ودير حنا لغرض تنفيذ مخطط تهويد الجليل، لتخصيصها للمستعمرات الصهيونية. وخلال تصدي
المواطنين الفلسطينيين لهذا المخطط والدفاع عن أراضيهم التي ورثوها عن أجدادهم وهبوا
من جميع المدن والقرى والتجمعات العربية في الأراضي المحتلة عام 1948 ضد الاحتلال الإسرائيلي،
واتخذت الهبة شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية عارمة، قامت خلالها قوات الاحتلال بأعمال
القتل والإرهاب بالفلسطينيين، حيث فتحت النار على المتظاهرين مما أدى إلى استشهاد
6 فلسطينيين ليحلقوا شهداء في السماء الفلسطينية الطاهرة. هذا إضافة لعشرات الجرحى
والمصابين، وبلغ عدد الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 300 فلسطينيي.
واستمرت مصادرة الأراضي العربية بحجج مختلفة. واستغلت إدارة أراضي إسرائيل الضائقة
السكنية في القرى العربية والنقص في أراضي البناء. فكانت تعرض على المواطنين إعطاءهم
أرضاً للبناء، دونماً أو أقل، مقابل التنازل عن أراضيهم المصادرة التي قد تصل عشرات
الدونمات.
ويشكل يوم الأرض المناسبة التي يجدد فيها الفلسطيني في كافة أماكن تواجده وأي
كان انتماؤه على تمسكه وتشبثه بأرضه التي سلب معظمها لصالح إقامة دولة الاحتلال الاستيطاني
الكولونيالي. وهي المناسبة التي يؤكد فيها اللاجئون الفلسطينيون العزم والقسم على العودة
إلى أراضيهم وقراهم التي هجروا منها طال الزمن أو قصر كون فلسطين لا تمحى بجرة قلم
وستبقى خالدة في الأذهان طالما أن هناك قلب فلسطيني ينبض على وجه المعمورة. وتتزامن
هذه المناسبة مع تكالب المؤامرات الدولية على الشعب الفلسطيني لشطب حقه في العودة إلى
موطنه بذريعة الحفاظ على الطابع اليهودي لدولة الاحتلال وللخشية من أن يصبح اليهود
أقلية في فلسطين التاريخية. فلا يمكن إيجاد حل للقضية الفلسطينية بدون إيجاد تسوية
عادلة لقضية اللاجئين الذين يشكلون ثلثي الشعب الفلسطيني.
فهل الذكرى ومازال الدم الفلسطيني المتدفق
في خاصرة هذا الوطن الجريح يروي ظمأ ألام الأرض..
فمعركة الأرض لم تنته وهي متواصلة مع تواصل انتهاكات وممارسات واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي
البربرية وستتوقف هذه المعركة بانتهاء الاحتلال. فالسنوات الطويلة من عمر الاحتلال
لم تفلح في فصل الفلسطيني عن أرضه، وإنما زادته إيمانا وتشبثا بها وتعلقا بها.
عاشت الذكرى الوفاء للأرض والفداء للوطن