كتب د ناصر إسماعيل جربوع اليافاوي
مؤرخ وباحث الأمين العام المساعد لمبادرة وفاق
جزيرة قبرص ، لها صولا وحكايات مع المسلمين منذ فجر الإسلام وحتى التاريخ العربي الحديث ، وحكايتها معنا كعرب مسلمين تبدأ منذ أن تولي عثمان الخلافة كتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر، فوافق عثمان على طلبه ، ، وبني معاوية أول أسطول بحري في الإسلام، واستعمل عليهم عبد الله بن قيس ، وساروا إلى قبرص وجاء عبد الله بن أبي سرح من مصر، فاجتمعوا عليها وصالحهم أهلها على سبعة آلاف دينار بكل سنة. ، وما لبث أن صار البحر الأبيض المتوسط خالصا للمسلمين
لكن الضعف الذي أصاب الدولة الإسلامية لاحقا شجع الفرنجة على غزو أطراف الدولة.، وكانت الحملات الصليبية ، والتي اتخذت من (جزيرة قبرص ) قاعدة لها للهجوم على مصر والشام.، فقد اتخذ القبارصة من جزيرتهم مركزًا للهجوم على الموانئ الإسلامية في شرق البحر المتوسط وتهديد تجارة المسلمين، فقام "بطرس الأول لوزجنان" ملك قبرص بحملته الصليبية على الإسكندرية في سنة (767هـ = 1365م)، وأحرق الحوانيت والخانات والفنادق، ودنس المساجد وعلق القبارصة عليها الصلبان، واغتصبوا النساء، وقتلوا الأطفال والشيوخ، ومكثوا بالمدينة ثلاثة أيام يعيثون فيها فسادا، ثم غادروها إلى جزيرتهم، وتكررت مثل هذه الحملة على طرابلس الشام في سنة (796هـ = 1393م).
وظلت غارات القبارصة لا تنقطع على الموانئ الإسلامية، ولم تفلح محاولات المماليك في دفع هذا الخطر والقضاء عليه، وبلغ استهانة القبارصة بهيبة المسلمين واغترارهم بقوتهم أن اعتدى بعض قراصنتهم على سفينة المسلمين سنة (826هـ = 1423م)، وأسروا من فيها.
وتمادى القبارصة في غرورهم فاستولوا على سفينة محملة بالهدايا كان قد أرسلها السلطان ( برسباي) إلى السلطان العثماني "مراد الثاني"، عند ذلك لم يكن أمام برسباي المملوكي سوى التحرك لدفع هذا الخطر، والرد على هذه الإهانات التي يواظب القبارصة على توجيهها للمسلمين، واشتعلت في نفسه نوازع الجهاد، والشعور بالمسئولية، فأعد ثلاث حملات لغزو قبرص، وذلك في ثلاث سنوات متتالية. خرجت الحملة الأولى في سنة (827هـ = 1424م)، وكانت حملة صغيرة نزلت قبرص، وهاجمت ميناء "ليماسول"، وأحرقت ثلاث سفن قبرصية كانت تستعد للقرصنة، وغنموا غنائم كثيرة، ثم عادت الحملة إلى القاهرة. فشجع هذا الظفر برسباي لإعداد حملة أعظم قوة من سابقتها لإعادة فتح قبرص، فخرجت الحملة الثانية في رجب (828هـ = مايو 1425م) مكونة من أربعين سفينة، واتجهت إلى الشام، ومنها إلى قبرص، حيث نجحت في تدمير قلعة ليماسول، وقُتل نحو خمسة آلاف قبرصي، وعادت إلى القاهرة تحمل بين يديها ألف أسير، فضلاً عن الغنائم التي حُملت على الجمال والبغال.
وفي الحملة الثالثة استهدف برسباي فتح الجزيرة وإخضاعها لسلطانه، فأعد حملة أعظم من سابقتيها وأكثر عددا وعُدة، فأبحرت مائة وثمانون سفينة من ميناء رشيد بمصر في (829هـ = 1426م)، واتجهت إلى ليماسول، فلم تلبث أن استسلمت للمسلمين في (26 من شعبان 829هـ = 2من يوليو 1426م)، وتحركت الحملة شمالا في جزيرة قبرص، وحاول ملك الجزيرة أن يدفع جيش المسلمين، لكنه فشل وسقط أسيرا، واستولى المسلمون على العاصمة "نيقوسيا"، وبذا دخلت الجزيرة في طاعة دولة المماليك.
أما من ناحية مناخها : يمتاز مناخ قبرص انه بارد جدا شتاء مع ثلوج على قمم الجبال وأمطار شتوية..
تبرعات محملة بالبرد والثلج :
ويبدو بين الحين والأخر ، لم تنسى قبرص يوما سجالها مع العرب ، ولتذكيرهم بأيامها وبردها القارص ، تتبرع قبرص بكل عام لجيرانها من بلاد الشام بموجة من المنخفضات الجوية ، يكون تأثيرها قارصا لادغاً ناخراً في الأعصاب والعظام ..
كان نصيب قطاع غزة هذه الموجه القارصة من ذلك المنخفض الجوي الذي زحف إلينا على شكل تبرعات إنسانية من قبرص ، وجاءت جحافل المنخفض إلينا بكل قوية متبخترة فرحة ، وكأنها تحملنا الجميل ، ولسان حالها يقول :((إنني تبرعت لكم بالخير والثلج والبرد والأمطار) ، ولكنها لا تدرك أن تبرعاتها البردية أصبحت ضيف ثقيل على اهالى غزة ، وبالأخص اهالى المخيمات الثمانية ، حيث البيوت الآيلة للسقوط وجدران وأسقف تخر منها المياه ، ويقصفها البرد من صوب وحدب ..
أهالي غزة ولاجئوها وعجز الصبر عن صبرهم :
ومع كل مقومات الصمود التي تشهدها غزة ومخيماتها ، وبرغم تحديها لسنوات الحصار العجاف ، إلا أن أزمات داخلية تهددها ( الانقسام – البطالة – وانقطاع التيار الكهربائي المقزز نفسيا وجسديا )
تحدثنا بمقالاتنا السابقة عن الانقسام وموقفنا منه ما يكفى ، وتحدثنا عن البطالة والكهرباء بما يرضي ، ولكن مع تبرعات قبرص الأخيرة بموجات محملة بما ( قرص وأمرض وأبكى وأعيى ) من البرد المتزامن مع انقطاع التيار الكهربائي ليلا لمدة تتراوح من ( 10 إلى 12 ساعة) ، وارتجاف الأطفال وموت الشيوخ وهزل النساء والرجال ، وبحث الشباب والمراهقين والزهرات والأشبال ، عن بعض حطيبات ليدفئوا بها أجساد ضعافهم ،وسط الدخان الكثيف المنبعث من مواقدهم القديمة ، والتي تنفخ معها شياطين التلوث ، يجعلنا كل ذلك ، أن ندعو الله أولا ، ثم سماء قبرص أن تكف عن تبرعاتها البردية القارصة على غزة ، لان ا تبرعاتها أصبحت ثقيلة ، لا نستطع أن نتحمل تأثيراتها والتكيف معها ، فمخزون غزة من الطاقة يقال انه لا يتسع لتبرعات قبرصية جديدة ، وربما يا قبرص الحبيبة نعود ،، ونفتح أحضاننا ، للتكيف معك من جديد ، بعد أن نصبح يد واحدة ، ولنا بيت واحد وموقدة كبيرة واحدة ، أو تكون كهربائنا أيضا موحدة ووطنية ، نستطيع حينئذ أن نرد لك الجميل البارد بجميل أكثر دفئا ..
المصدر: وكالة اسوار برس الاخبارية